في تطور مثير للقلق، حذّرت دراسة حديثة من أن مرض الإيدز قد يعود للواجهة بقوة، مع توقعات بزيادة ملحوظة في حالات الإصابة والوفاة بالإيدز حول العالم خلال السنوات القليلة المقبلة، نتيجة لتقليص التمويل الدولي الموجه لمكافحة هذا المرض الفيروسي الخطير. وتشير الدراسة التي أجراها فريق من الباحثين بقيادة أكاديميين من أستراليا، إلى أن تقليص المساعدات الخارجية سيقوض بشكل كبير التقدم الذي تم إحرازه خلال عقود في الحد من انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة.
![]() |
مرض الإيدز |
عودة الإيدز لمعدلات تفشي غير مسبوقة منذ 20 عامًا
تتوقع الدراسة أن يؤدي تقليص التمويل إلى تسجيل ما يصل إلى 10.8 مليون حالة إصابة إضافية بالإيدز بحلول عام 2030، في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وهي المناطق التي تعتمد بشكل أساسي على الدعم الدولي لتوفير العلاج والرعاية الطبية للمرضى. كما قد تسجل تلك الدول نحو 2.9 مليون حالة وفاة إضافية مرتبطة بـمرض الإيدز في الفترة الممتدة ما بين عامي 2025 و2030، إذا لم يتم التراجع عن خطط خفض التمويل الحالية التي أعلنت عنها خمس من أبرز الدول المانحة، من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ويقول الخبراء إن هذه التقديرات تؤكد أن العالم ربما يقف على أعتاب موجة جديدة من الانتشار، بعد فترة من التراجع النسبي في أعداد حالات الإصابة والوفاة بالإيدز، وهو ما قد يعيد المشهد الصحي العالمي إلى أوضاع مشابهة لتلك التي شهدها العالم في مطلع الألفية.
قرارات سياسية تعمّق الأزمة الصحية
وتأتي هذه التحذيرات في ظل قرارات سياسية أثارت جدلاً واسعًا، كان آخرها إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خفض الإنفاق على المساعدات الخارجية، مبررًا ذلك بالحاجة إلى توجيه المزيد من الموارد للإنفاق الدفاعي في ظل التهديدات الأمنية الناتجة عن الحرب الأوكرانية. وفي سياق مشابه، كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد اتخذ قرارًا بوقف معظم المساعدات الخارجية الأمريكية بعد توليه السلطة، وهو ما انعكس بشكل واضح على البرامج الصحية في عدد من الدول النامية.
الدول المانحة تمثل 40% من تمويل مكافحة الإيدز
أظهرت ورقة بحثية نُشرت في دورية "ذا لانسيت" المتخصصة في الدراسات الطبية، أن الدول المانحة قدمت منذ عام 2015 ما يقارب 40% من إجمالي تمويل الجهود العالمية لمكافحة مرض الإيدز في البلدان ذات الموارد المحدودة. وتشمل هذه الدول الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وهولندا، والتي تسهم مجتمعة بأكثر من 90% من التمويل الدولي لمكافحة الفيروس.
لكن الدراسة تشير إلى أن الخطط التي أعلنت عنها هذه الدول لخفض المساعدات قد تؤدي إلى تراجع التمويل المخصص لبرامج مكافحة الإيدز بنسبة تصل إلى 24% بحلول عام 2026، ما يهدد بانهيار البنية التحتية الصحية في دول عدة تعتمد على هذا الدعم لتوفير العلاج المضاد للفيروسات وتغطية تكاليف الوقاية والتوعية.
مستقبل مكافحة الإيدز في خطر
في ظل هذه المعطيات، حذر الباحثون من أن خفض التمويل سيؤدي إلى تعطيل حملات الفحص المبكر والتشخيص، والتقليل من فرص حصول المصابين على العلاج، فضلاً عن وقف العديد من برامج التوعية التي تُعد ركيزة أساسية في تقليل معدلات الإصابة الجديدة. ولفتت الدراسة إلى أن الجهود الدولية لاحتواء الإيدز قد تتعرض لنكسة كبيرة، في حال لم يتم التحرك العاجل لإعادة النظر في قرارات خفض التمويل.
ويأتي هذا التحذير في وقتٍ لا تزال فيه ملايين الأرواح مهددة بفعل الفيروس، حيث يعيش أكثر من 38 مليون شخص حول العالم مع فيروس العوز المناعي البشري، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.
إن الأرقام الصادمة التي كشفت عنها هذه الدراسة تستوجب وقفة دولية حقيقية لإعادة تقييم أولويات التمويل الإنساني والصحي، لضمان عدم ضياع الإنجازات التي تحققت على مدار أكثر من عقدين في معركة التصدي لـمرض الإيدز، ولتجنب زيادة مأساوية في حالات الإصابة والوفاة بالإيدز في السنوات المقبلة.